المقامة العسكرية

المقامة العسكرية




حدثنا أحمد البارودي، عن خالد بن عبد الله المسعودي أنّ زياد الزمان الدّاوُدي؛ كان قد قال، في إحدى الأيام واللّيال:
جار عليّ الزمان أيها الناس، وذهبت لمعسكر التدريب بالديمايس، وبعد وصولنا إلى مشارف المعسكر.. الذي كان مغلق الأبواب محروساً بالعسكر، اضطررنا للبقاء في الهواء العليل.. حتى وصول بقية أفراد الفصيل..وعندما توالت جموعٌ منفردةٌ بالتوافد، وكثر عدد من تواجد.. بقينا في الخارج على نفس الحال.. ننتظر من يسألنا أي سؤال.. حتى قدمت باصات الدولة بدخنتها الخانقة.. ومواصفاتها الـ full option الخارقة.. فجعلت تلك السّاحة بالطلاب غارقة.. عندها خرج عدد من الضباط مختلفي الرتب.. واقتربوا من الطلاب عن كثب.. في بادئ الأمر كانوا ينادوننا بالطلاب.. ورويداً رويداً تعدّدت وتدنّت الألقاب..لتبدأ عملية التفتيش قبل الباب..فقد اصطف عدد من العساكر على صفين.. وأقبل الطلاب عليهم هادئين..يفتحون حقائبهم فتفتّش.. ويرفعون أيديهم "لتنبش"..وإذا وجد معك ممنوعاً تعيده قبل أن تدخل به.. أو تزرع خمسيناً في يده... ورغم التفتيش الدقيق..لكل صديقٍ وصديق...ورغم ما أعطي من تعليماتٍ واعدة.. حول السماح للطالب الواحد بعلبة جبنةٍ واحدة.. أو علبة حلاوة واحدة... وأضاف أحدنا علبة شوكولا واحدة.. فقد هرّب الأخير داخل مخدة.. كثيراً مما يشتهي من طعامٍ أو نسكافيه أو شدّة.. ومالكن بالطويل يا سادة يا كرام.. فقد وهرّبنا ما نشتهي من عدّةٍ وطعام... بالكثير من الطرق المخالفة.. من دفعٍ أو جيوب خفيّةٍ أو أحزمةٍ ناسفة.. فقد وضع أحدنا في حزامه العريض... عدّةً تكفي لإنقاذٍ وبناءٍ وتمريض... وانتهينا من تفتيش أغراضنا.. وأخذنا بالبحث عن مكاننا... وبعد جهدٍ جهيد.. وبحثٍ طويل غير مفيد... عرفنا مكان الكتيبة.. ودللنا باقي الشبيبة.. وبدأنا البحث عن خيمةٍ تؤوينا طيلة أيام المعسكر.. بدلاً من أن نأتي في مهجعٍ مغلقٍ و" مسكّر".. وطيلة الوقت كنا نختلف عن صاحب الشجاعة.. الذي سنكتب اسمه قائداً للجماعة.. كل واحدٍ يرميها على الثاني.. كأنّ الموضوع جريمةٌ وجاني.. إلى أن أتى وقت تسجيل أسمائنا.. والتوقيع على استلام أغراضنا.. فكتب أحدنا الأسماء بصورةٍ عشوائيّة.. دون شكل أو كيفيّة.. فعرفنا أنه من كتب اسمه في البداية.. عليه استلام القيادة والحماية.. فصرخ القائد المفروض بشدة.. ونظر لمن كتب الأسماء بحدّة... وبعد أن حلف الكاتب أنه لم يكن يعرف.. واستمرّ يحلف ويحلف.. وقف موقف الحيادي وقال له:
"خلّص فؤادي".


ثمّ بدأنا استلام أغراضنا... حسب أسمائنا.. من فرشات السليب كومفورت الاسفنجيّة.. إلى مخدات الصوف المحشيّة.. وذهبنا لخيمتنا المقرّرة.. ننظر فيها ونتمعن طريقة "الدوكرة".. فوجدناها ثمانية أسرّةٍ حديدية.. في وسطها وأولها وآخرها أعمدة خشبية.. تطل على منظرٍ جبلي.. والهواء فيها قبلي... كان كلٌّ ينظر إليها بمنظور.. لكن في النهاية كانوا يحاولون سرقة فكرة الديكور.. كانت أفخم خيمةٍ وقد تحسبها في عمارة.. عندما تسهر الليل تحت عمود الإنارة.. الذي كان واقعاً فوقها.. ويعطيها ضوءً يظهر ذوق من فيها وذوقها.. كان النظام ينص على الاستيقاظ في الخامسة صباحاً.. لنذهب إلى الرياضة ونعدو غدواً ورواحا.. ثم نذهب لاستراحة الإفطار... بعد أن تطلع شمس النهار... لمشاهدة البيض المسلوق.. والشاي في إبريقه المحروق.. وزيادةً على ذلك وعلاوة.. "قصعةٌ" فيها بعض الحلاوة.... ثم يليه استراحة.. لمتابعة النوم وأخذ الراحة.. وبعدها الاجتماع الكبير.. وما فيه من خبرٍ أو درس مثير.. تحت أشعّة الشمس القويّة.. في "عزّ" الظهريّّة.. :C :C



وبعد أن نفرغ من الاجتماع والغداء وبعد أن ننام.. يا سادة يا كرام... يأتي وقت الفقرة المنتظرة... من وقت العصر إلى وقت السهرة... إنها الفقرة المحبوبة.. والقصّة المرغوبة.. فقرة "التريكس" والطرنيب... لمعرفة الغر من اللعيب.. فلمعرفة عدد "الشدّات" الموضوعة في مساحاتٍ مربّعة.. عليك بمعرفة عدد الطلاب في المعسكر.. وتقسيمه على أربعة... وتستمر الألعاب الورقيّة... وتلعب "برتيّةٌ" في إثر برتيّة.. حتى يصاب أحد الرّكاب بالملل.. و يقطع من اللعبة الأمل.. لا يوجد شيءٌ أسهل من الركاب... فالكلّ متوفّرٌ.. والكلّ يتقن تلك الألعاب.. كأن الجميع يقرأ حين يشعر بالأرق... كتباً مختصّةً في لعب الورق.. مثل "المختار.. في تحميل الختيار" ..و "القبر المنبوش.. في تهريب اللطوش".. أو "الحاوي... في تجنّب الطلطعشاوي" .. وغيرها من الكتب المفيدة... التي تتعلّق في هذه الألعاب الفريدة... وما يؤكّد كلامي ويجعله كالمسلّمة.. أن دفاتر المعسكر المستلمة.. والتي كتب على ورقتها الخارجيّة... أن محتوياتها بغاية سريّة... أنها لم تحوِ سوى توثيقٍ لنتيجة كلّ برتيّة... فاستخلصنا أن المقصود بتلك العبارة.. هو عد الإفصاح عن النتائج ولو بالإشارة... حتى لا يفضح من كان يخسر باستمرار.. ومن كان يحمل البنات واللطوش والختيار... ويتبعها بـ"كمشة" دينار...



هكذا كان حالنا في ذاك المعسكر... جدول يوميٌّ لا يتغيّر.. ولا تغيّراتٌ تذكر.. ولولا ما فعله قريب أحد الشعراء ...مع بعض الأصدقاء... من إضفاء المرح على الأجواء.. لاستمرّت نفس الأوضاع.. دون تغيّرٍ أو استمتاع... فقد تسلّلوا إلى الخيم خلسةً في إحدى الليالي... ووضعوا على الوجوه من "المكياج" بشكلٍ خيالي..


في كلّ يومٍ نعيد نفس الأشياء.. لا تغيير على المواضيع ولا على الغداء... نقوم بتهريب الطعام من خارج المعسكر..ونحسب حساب جيراننا ونتذكّر... وذهبنا إلى حقل الرمي في الأيام ما قبل الأخيرة.. لنجرّب حظنا مع الذخيرة..ومما أثار الدهشة أيها الأحباب..دقّة التصويب العالية لدى الطلاب.. فقد كانت الأهداف أرضيّة.. و جبلٌّ في الخلفيّة.. وعند إطلاق النار بعد التسديد.. يبدأ تراب الجبل ينهمر بشكلٍ شديد...دقّةٌ شديدة.. ومحاولاتٌ مفيدة.. :th


وبعدها عدنا للمعسكر.. على أمل الذهاب المبكّر.. لكن آمالنا قد خابت.. واتصالاتنا انقطعت وغابت.. حين أكدوا لنا أن المغادرة في يوم الغد... وبدا على كلامهم الجد... فانتظرنا حتى الصباح.. حين أتتنا الأخبار الملاح.. فاستلمنا بطاقاتنا.. وسلمنا أغراضنا.. وودعنا أصحابنا وزملائنا... وعدنا بيوتنا وأدراجنا... كانت عودةً محمودة.. بعد أيامٍ مشهودة.. كلها مقتٌ بمقت... ولبها تضييع وقت..
نرجو من الله السلامة.. وطيب الإقامة.. وحسن العلامة.... :DW :DW


وفي الختام..
لكم مني السلام..